أطفالنا وحب الله عز وجل

Publié le par المسلم

 

 

د . أماني زكريا الرمادي

 
تمهيد:

سبحان الله العلي العظيم ، والحمد لله رب العالمين - كما ينبغي لجلال وجهه الكريم ، و عظيم سلطانه القديم - ولا إله إلا الله العليم الحكيم ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين المبعوث رحمةً للعالمين وبعد.
إن الطفل نبتة صغيرة تنمو ، وتترعرع ، فتصير شجرة مثمرة ، أو وارفة الظلال ...أو قد تصير شجرة شائكة ، أو سامَّة والعياذ بالله.
وحتى نربي جيلاً من الأشجار المثمرة ، أو وارفة الظلال ؛ فإنه علينا أن نعتني بهم منذ البداية ، مع التوكل على الله تعالى والاستعانة به في صلاحهم.
وما أحوجنا في هذا العصر الذي أصبحت فيه الأمم تتداعى على أمة الإسلام كما تتداعى الأكَلَة على قصعتها- كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم- بأن نربي وننشئ جيلاً قوي الإيمان يثبُت على الحق ، و يحمل لواء الإسلام ، ويدافع عنه بكل طاقته.
وفيما يلي تقترح كاتبة هذه السطور أول ما يمكن أن يحقق هذا الهدف النبيل ، ويعين على بلوغ تلك الغاية السامية ، ألا وهو: "مساعدة أطفالنا على حب الله عز وجل"... فما جاء بها من صواب فهو من توفيق الله تعالى وفضله ومَنِّه ، وما كان من خطأ فمن نفسها والشيطان ، والحمد لله أولاً وآخرا.


1- ما هو حب الله؟
هو أن يكون الله تعالى أحب إلى الإنسان من نفسه ، ووالديه ، وكل مايملك.

2- لماذا الأطفال؟
لأن" الطفل هو اللبنة الأولى في المجتمع ، فإذا و ضعناها بشكل سليم كان البناء العام مستقيماً ، مهما ارتفع وتعاظم ؛ كما أن الطفل هو نواة الجيل الصاعد التي تتفرع منها أغصانه وفروعه ... وكما نعتني بسلامة نمو جسمه فيجب أن نهتم بسلامة مشاعره ، ومعنوياته "(1) فإذا حرصنا على ذلك فإن جهودنا سوف تؤتي ثمارها حين يشب الطفل ويحمل لواء دينه- إذا أحب ربه وأخلص العمل له- وإن لم نفعل نراه يعيش ضائعاً بلا هوية - والعياذ بالله - كما نرى الكثير ممن حولنا .

3- لماذا نعلمهم حب الله؟
أ-لأن الله تعالى قال عن الذين يحبونه في الآية رقم (31) من سورة آل عمران: { قُل إن كُنتم تحبون اللهَ فاتَّبعوني يُحِببْكُم اللهُ ، ويَغفر لكم ذنوبَكم ، واللهُ غفورٌ رحيم } .
ب- لأن الله جلَّ شأنه هو الذي أوجدنا من عَدَم ، وسوَّى خَلقنا وفضَّلنا على كثير ممَّن خلق تفضيلا ، ومَنَّ علينا بأفضل نعمة وهي الإسلام ، ثم رزقنا من غير أن نستحق ذلك ، ثم هو ذا يعدنا بالجنة جزاءً لأفعال هي من عطاءه وفضله ، فهو المتفضِّل أولاً وآخِرا!!!
ج- لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ( اللهم اجعل حُبك أحب إلىَّ مِن نفسي ، وأهلي ، ومالي ، وولدي ، ومن الماء البارد على الظمأ ) ، ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة.
د- لأن الحب يتولد عنه الاحترام والهيبة في ا لسر والعلن ، وما أحوجنا إلى أن يحترم أطفالنا ربهم ويهابونه- بدلاً من أن تكون علاقتهم به قائمة على الخوف من عقابه أو من جهنم- فتكون عبادتهم له متعة روحية يعيشون بها وتحفظهم من الزلل .
هـ- لأن الأطفال في الغالب يتعلقون بآبائهم وأمهاتهم -أو مَن يقوم برعايتهم وتربيتهم- أكثر من أي أحد ، مع العلم بأن الآباء ، والأمهات ، والمربين لا يدومون لأطفالهم ، بينما الله تعالى هو الحيُّ القيوم الدائم الباقي الذي لا يموت ، والذي لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم ، فهو معهم أينما كانوا وهو الذي يحفظهم ويرعاهم أكثر من والديهم ... إذن فتعلقهم به وحبهم له يُعد ضرورة ، حتى إذا ما تعرضوا لفقدان الوالدين أو أحدهم عرفوا أن لهم صدراً حانياً ، وعماداً متيناً ، وسنداً قوياً هو الله سبحانه وتعالى.
و- لأنهم إذا أحبوا الله عز وجل وعلموا أن القرآن كلامه أحبوا القرآن ، وإذا علموا أن الصلاة لقاء مع الله فرحوا بسماع الأذان ، و حرصوا على الصلاة وخشعوا فيها ، وإذا علموا أن الله جميل يحب الجمال فعلوا كل ما هو جميل وتركوا كل ما هو قبيح ، وإذا علموا أن الله يحب التوابين والمتطهرين ، والمحسنين ، والمتصدقين ، والصابرين ، والمقسطين ، والمتوكلين ، وأن الله مع الصابرين ، وأن الله ولي المتقين ، وأنه وليُّ الذين آمنوا وأن اللهَ يدافع عن الذين آمنوا ...اجتهدوا ليتصفوا بكل هذه الصفات ، ابتغاء مرضاته ، وحبه ، وولايته لهم ، ودفاعه عنهم.
أما إذا علموا أن الله لا يحب الخائنين ، ولا الكافرين ، ولا المتكبرين ، ولا المعتدين ، ولا الظالمين ، ولا المفسدين ، وأنه لا يحب كل خَوَّان كفور ، أو من كان مختالاً فخورا ... لابتعدوا قدر استطاعتهم عن كل هذه الصفات حباً في الله ورغبة في إرضاءه.
ز- لأنهم إذا أحبوا الله جل وعلا أطاعوا أوامره واجتنبوا نواهيه بطيب نفس ورحابة صدر ؛ وشبُّوا على تفضيل مراده على مرادهم ، و" تقديم كل غال وثمين من أجله ، والتضحية من أجل إرضاءه ، وضبط الشهوات من أجل نيل محبته ، فالمُحب لمن يحب مطيع...أما إذا لم يحبوه شَبُّوا على التفنن في البحث عن الفتاوى الضعيفة من أجل التَفَلُّت من أمره ونهيه"(2)
ح- لأن حب الله يعني استشعار أنه عز وجل يرعانا ويحفظنا في كل وقت ومكان ، مما يترتب عليه الشعور بالراحة والاطمئنان والثبات ، وعدم القلق أو الحزن... ومن ثم سلامة النفس والجسد من الأمراض النفسية والعضوية… بل والأهم من ذلك السلامة من المعاصي والآثام ، فعلينا أن نفهمهم أن " مَن كان الله معه ، فمَن عليه؟!!! ومَن كان الله عليه فمَن معه؟!!!
ط-لأن هناك نماذج للمسلمين ترى كاتبة هذه السطور أن الحل الجذري لمشكلاتهم هو تجنب تكرارها ، بتربية الطفل منذ نعومة أظفاره على محبة الله تعالى.
و من هذه النماذج على سبيل المثال لا الحصر:
* الذين يفصِلون الدين عن الدنيا ، ويعتقدون أن الدين مكانه في المسجد ، أو على سجادة الصلاة فقط ، ثم يفعلون بعد ذلك ما يحلو لهم.
** الذين يسيئون الخُلُق داخل بيوت الله- ولا يستثنون من ذلك المسجد الحرام ولا المسجد النبوي!!!- وفي مجالس العلم ، ظانِّين أن التعاملات اليومية والأخلاق لا علاقة لها بالدين.
*** الذين يتركون أحد أركان الإسلام مع استطاعتهم - وهي فريضة الحج- بدعوى أنهم ليسوا كبار السن وأن أمامهم حياة طويلة سوف يذنبون فيها ، ولذلك سوف يحجون عندما يتقدم بهم العمر ، ويشيب الشعر ، ليمسحوا كل الذنوب الماضية في مرة واحدة!!!
**** اللواتي ترفضن الحجاب بدعوى أن قلوبهن مؤمنة ، وأن صلاح القلوب أهم من المظهر الخارجي ، غافلات -أو متغافلات- عن كونه أمراً من الله تعالى وفرضاً كالصلاة!!! وكذلك الآباء والأمهات والأزواج الذين يعارضون ، بل ويحاربون بناتهم وزوجاتهم في ارتداء الحجاب !!!
***** الذين يعرضون عن مجالس العلم الشرعي ، وكل ما يذكرهم بالله تعالى ، قائلين أن "لبدنك عليك حقا"، وأن"الدين يسر"، و"لا تنس نصيبك من الدنيا"، بينما ينسون نصيبهم من الآخرة!!!
****** الذين ينبهرون بمظاهر الحضارة الغربية ، وبريقها الزائف ، فينفصلون عن دينهم تدريجياً ويظل كل ما يربطهم به هو الاسم المسلم ، أو بيان الديانة في جواز السفر!!! ومنهم الذين تغمرهم هذه المظاهر حتى تصل بهم إلى الردة عن الدين- والعياذ بالله- ويصبح اسم الواحد منهم "ميمي " أو " مايكل " بعد أن كان " محمداً " !!!

ح- لأن أعز ما يملكه الإنسان - بعد إيمانه بالله عز وجل - هو الكرامة " وليس المال أو المنال ، أو الجاه أو القدرة...فالمجرم يتعذب في داخله قبل أن يحاسبه الآخرون ، لأنه على بصيرة من قرارة نفسه التي تحس بغياب الكرامة بفعل الأفعال الدنيئة ، أما الإنسان المحترم الذي يحس بوفرة الكرامة لديه ، فإنه أحرى أن يعتلي القمم السامية والمنازل الرفيعة... وهكذا كان شأن « يوسف » الصدِّيق عليه السلام حين توسم فيه عزيز مصر أن ينفعه ذات يوم ، ويكون خليفة له على شعبه ، أو يتخذه ولداً ؛ لذا فقد قال لامرأته حين أتى بيوسف مستبشراً به : { أكرِمي مثواه } أي أكرمي مكانته ، واجعليه محط احترام وتقدير ، ولم يوصها بأي شيء آخر ... فلعله رأى أن التربية القائمة على أساس الكرامة تنتهي بالإنسان إلى أن يكون عالماً ، وقادراً على أًن يتخذ القرارات السليمة وفقاً لأسس وقواعد التفكير الحكيم ، هذا بالإضافة إلى قدرته على وضعها موضع التنفيذ " (3)
فإذا أردنا الكرامة ونتائجها لأطفالنا فما أحرانا بأن نهبها لهم من خلال حبهم لخالق الكرامة الذي كرَّم أباهم آدم وأسجد له الملائكة ، وقال عنهم: { ولقد كرَّمنا بني آدم }... وإذا أردنا لهم الدرجات العُلا في الدنيا والآخرة ، فلا مفر من مساعدتهم على حب الله الذي يقودهم إلى التقوى ، فيصبحوا من الذين قال عنهم : { إن أكرمكم عند اللهِ أتقاكم }

4- كيف نزرع حب الله عز وجل في قلوب أطفالنا ؟
تحتاج هذه المهمة في البداية إلى أن يستعين الوالدان بالله القوي العليم الرشيد ، فيطلبا عونه ، ويسألاه الأجر على حسن تربية أولادهما ابتغاء مرضاته ، ويرددان دائماً: { رب اشرَح لي صدري ، ويسِّر لي أمري ، واحلُل عقدةً من لساني يفقهوا قولي } ؛ " مع ضرورة بناء علاقات صحيحة وسليمة بين الأهل والأولاد " (4) ثم بعد ذلك تأتي العناية ، والاهتمام ، واليقظة ، والحرص من الوالدين أو المربين لأنهم سوف يتحدثون عن أهم شيء في العالم ، وأهم ما يحتاج إليه طفلهم ؛ لذلك فإنهم " يجب أن يتناولوا هذا الموضوع بفهم وعمق وحب وود " (5) ... أما إن أخطأوا ، فإن الآثار السلبية المترتبة على ذلك ستكون ذات عواقب وخيمة .
لذا يجب مراعاة متطلبات المرحلة العمرية للطفل ، وسماته الشخصية ، وظروفه... وكلما بدأنا مبكرين كان ذلك أفضل ، كما أننا إذا اهتممنا بالطفل الأول كان ذلك أيسر ، وأكثر عوناً على مساعدة إخوته الأصغر على حب الله تعالى ؛ لأن الأخ الأكبر هو قدوتهم ، كما أنه أكثر تأثيراً فيهم من الوالدين .
و يجب أيضاً اختيار الوقت والطريقة المناسبة للحديث في هذا الموضوع معهم ...
وفيما يلي توضيح كيفية تعليمهم حب الله في شتى المراحل :

أولاً: مرحلة ما قبل الزواج:
إن البذرة الصالحة إذا وضعت في أرض خبيثة اختنقت ، وماتت ، ولم تؤت ثمارها ، لذا فقد جعل الإسلام حسن اختيار الزوج والزوجة من أحد حقوق الطفل على والديه ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم : { الطيباتُ للطيبين ، والطيبون للطيبات } ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( تخيَّروا لِنُطَفِكُم ، فإن العِرق دسَّاس ) ، وقال أيضاً: ( تُنكح المرأة لأربع : لمالها ، وجمالها ، وحسبها ، ودينها ، فاظفَر بذات الدين تَرِبَت يداك ) ، وروي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال : قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً ، فقال : ( أيُّها الناس إياكم وخضراء الدُّمُن . قيل : يا رسول الله ، وما خضراء الدُّمُن ؟ قال : المرأة الحسناء في منبت السوء ).
كما أكَّد صلى الله عليه وسلم على أن يكون الزوج مُرضياً في خُلُقه ودينه ، حيث قال: ( إذا جاءكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه ) ، وأردف صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بالنهي عن ردّ صاحب الخلق والدين فقال : ( إنّكم إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ) ، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( من زوّج ابنته من فاسق ، فقد قطع رحمها ).
فإذا اختلط الأمر على المقدمين على الزواج ، فإن الإسلام يقدم لهم الحل في" صلاة الاستخارة".
ثم يأتي بعد حُسن اختيار الزوج أو االزوجة: الدعاء بأن يهبنا الله الذرية الصالحة ، كما قال سيدنا زكريا عليه السلام مبتهلاً: { رب هَب لي ِمن لَدُنكَ ذُرِّيَةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء } ، وكما دعا الصالحون: { ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما }.

ثانياً : مرحلة الأجِنَّة:
تقترح كاتبة هذه السطور على كل أم مسلمة تنتظر طفلاً أن تبدأ منذ علمها بأن هناك رزق من الله في أحشائها ؛ فتزيد من تقربها إلى الله شكراً له على نعمته ، واستعداداً لاستقبال هذه النعمة ، فتنبعث السكينة في قلبها ، والراحة في نفسها ، مما يؤثر بالإيجاب في الراحة النفسية للجنين ؛ كما يجب أن تُكثر من الاستماع إلى القرآن الكريم ، الذي يصل أيضاً إلى الجنين ، ويعتاد سماعه ، فيظل مرتبطاً به في حياته المستقبلة إن شاء الله .
ولنا في امرأة عمران- والدة السيدة مريم- الأسوة الحسنة حين قالت: { ربِّ إني نَذَرتُ لك ما في بطني مُحرَّراً ، فتقبل مني إنك أنت السميع العليم } ، فكانت النتيجة: { فتقبَّلها ربُّها بقَبول حَسَن }.
ولقد أثبتت التجربة أن أفضل الطعام عند الطفل هو ما كانت تُكثر الأم من تناوله أثناء حملها بهذا الطفل ، كما أن الجنين يكون أكثر حركة إذا كان حول الأم صخباً أو ضجة ، وهذا يعني تأثر الجنين بما هو حول الأم من مؤثرات.
( وهاهي الهندسة الوراثية تؤكد وجود الكثير من التأثيرات التي تنطبع عليها حالة الجنين ، سواء أكانت هذه التأثيرات بيولوجية ، أوسيكولوجية ، أو روحية ، أوعاطفية.
ونحن نطالع باستمرار مدى تأثر الجنين بإدمان الأم على التدخين ، فإذا كان التدخين يؤثر تأثيراً بليغاً على صحة الجنين البدنية ، فَتُرى ما مدى تأثره الأخلاقي والروحي بسماع الأم للغيبة أو أكلها للحم الخنزير ، أو خوضها في المحرمات وهي تحمله في أحشائها؟! ) (6)
ويؤكد الدكتور "علاء الدين القبانجي" (7) هذا بقوله: " هناك خطأ كبير في نفي التأثير البيئي على النطفة ، في نفس الوقت الذي نلاحظ فيه التأثير ا لبيئي على الفرد ذاته سواء بسواء ، ولن تتوقف النطفة عن التأثر بالمنبهات الكيماوية - بما فيها المواد الغذائية والعقاقير- أو بالظروف البيئية ، بل ستظل ت&

Publié dans مكتبة

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article
H
Assalamou alykom machallah il est super ton blog   je t'invite a venir faire un tour sur mon blog inchallahhttp://mouslim.over-blog.com/
Répondre